إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:فهذه تتمة لما تقدم من قضية المفاضلة بين الغني الشاكر والفقير الصابر، وما قرأناه من كلام
شيخ الإسلام رحمه الله، فنكمل كلامه، ثم نعود إلى كلام الشارح؛ فهو مأخوذ من هذا، وسنستعرض ما فيه مما يحتاج إلى زيادة إيضاح.لقد نال كون النبي صلى الله عليه وسلم قد نال أعلى درجات الشاكرين، وأفضل مقامات الصابرين، قال: (وإنما يفضل الغني لأجل الإحسان إلى الخلق، والإنفاق في سبيل الله) أي: لا يفضل الغني لمجرد غناه، فالقاعدة هي: أن التفاضل إنما يكون بالتقوى، وأنه كما قال الله تعالى: ((
إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا ))[النساء:135].فتكملة لذلك يقول الشيخ: (وإنما يفضل الغني لأجل الإحسان إلى الخلق، والإنفاق في سبيل الله، والاستعانة به على طاعة الله، وعبادته)، وهذا هو الذي لأجله غبط الفقراء من المؤمنين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إخوانهم الأغنياء، وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (
لا حسد إلا في اثنتين، ومنها: رجل آتاه الله مالاً، فهو ينفق منه آناء الليل، وآناء النهار )؛ (وإلا فذات ملك المال لا ينفع -أي: مجرد الملك لا ينفع- بل قد يضر)، وذلك كما قدمنا مما قص الله تبارك وتعالى علينا في القرآن ممن ملك المال ولم ينفعه مجرد ملك المال؛ لأنه لم يؤمن، ولم يتق الله تبارك وتعالى فيه، وهو
قارون ، ((
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ))[القصص:76]، وهذه أول وصية يوصى بها الأغنياء: (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ).(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ)، وهذه الثانية.((
وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ))[القصص:77]، وهذه الثالثة.((
وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ))[القصص:77]، وهذه الرابعة.((
وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ ))[القصص:77]، وهذه الخامسة.فهذه الوصايا تصلح أن تكون موضوعاً لموعظة أو محاضرة، فعسى الله تعالى أن يوفق من يجعلها موعظة تهدى إلى الأغنياء، فتخاطب من آتاه الله تعالى مالاً بهذه الوصايا القرآنية العظيمة؛ سواء ما كان منها من قوم قارون، أو ما كان منها من كلام الله، فالكل أقره الله تبارك وتعالى.فالمال لذاته لا ينفع صاحبه، بل إنه قد يكون حتى مع التقوى، وحتى مع عمل الخير، وحتى مع الصلاح؛ سبباً في الحساب، فالدنيا حقيقة كما جاء عن
علي رضي الله تعالى عنه: [
حرامها عقاب، وحلالها حساب ]، ثم بعد الحساب قد تعلو الدرجة أو تنخفض، وهذا أمر آخر.فالمقصود: أن المال لذاته ليس هو الذي ينفع، ولا يفاضل به الناس، بل قد يضر، كما قال الشيخ رحمه الله.